متلازمة المحتال: متى يكتشف مديري أني فاشل؟

لا تُصنف متلازمة المحتال ضمن الاضطرابات النفسية، إلا أن الغرق في دوامة الأفكار السلبية التي تنشأ عنها قد يُعطلنا عن أداء حتى أبسط المهام، خوفًا منا أن نخطئ فينكشف الستار عن احتيالنا - خاصة إذا صاحبت تلك الأفكار نوبات اضطراب القلق أو الاكتئاب مما يصيبنا بحالة من الشلل في التفكير. لذلك، فإنه من المفيد الأخذ بنصائح المتخصصين، والتي تساعد على التقليل من حدة الآثار السلبية للمتلازمة على حياتنا المهنية، بل وقد تتمكن مع الوقت من استخدام تلك الأفكار كوقود للتطور الإيجابي المرجو. فمن خلال العمل على تطوير وعيك بذاتك وبما تملكه واقعيًا من مهارات ومقومات، تتكون لديك صورة أوضح عن مستواك الفعلي وعن المهارات المطلوب تطويرها في سبيل تقدمك الوظيفي.

5 min read
متلازمة المحتال

في لحظات التقدير والاحتفاء، هل سبق وشعرت أنك لا تستحق النجاح؟ أن ما وصلت إليه لم يكن نتاجًا لكفاءتك، بل محض حظٍ عابر أو مصادفاتٍ خدمتك في الوقت المناسب؟ ربما أيضًا راودك الإحساس بأنك تُخفي سرًا عن الجميع، سر أنك لست بتلك الكفاءة أو البراعة التي يظنونها فيك، وأن اكتشاف حقيقتك ليس سوى مسألة وقت؟

ماذا عن ذلك الشعور المتكرر بأن نجاحاتك ليست مستحقة، بل إنها سلسلة من المصادفات السعيدة التي أحسنت استغلالها؟ أن ما وصلت إليه ليس نتاجًا لتطويرك لمهاراتك أو مثابرتك على التعلم، بل ضربات حظ حالفتك في اللحظات المناسبة فحسب؟

يزداد هذا الإحساس ثِقَلًا حين تنظر إلى زملائك فتراهم أكثر ثقةً وخبرة، يملكون إجاباتٍ حاضرة وحُججًا مقنعة تبرر قراراتهم المهنية، بينما يساورك أنت الخوف من لحظةٍ قد تنكشف فيها ما تظنها “حقيقتك”، لتجد نفسك في مواجهة العواقب التي طالما خشيتها، عواقب أن يكتشف الآخرون أنك لست كما يظنون.

لست وحدك من يساوره هذا الشعور، ففي عام ۱۹۷۸، قامت عالمتا النفس د. بولينا كلانس ود. سوزان أيمس لأول مرة باستخدام مصطلح "ظاهرة المحتال - Imposter Phenomenon" في سياق دراسة لوصف الحالة الداخلية لأكثر من ١٥٠ سيدة ممن حققن نجاحات مهنية وأكاديمية لافتة. كشفت نتائج الدراسة أن معظم المشاركات كُن يشعرن بافتقارٍ داخلي للجدارة، وبأن إنجازاتهن لا تعكس كفاءتهن الحقيقية، بل مجرد مزيج من الجهد المبالغ فيه والحظ العابر.

ومع تطور الدراسات وتعدد سياقاتها، اتسع نطاق المصطلح ليشمل الرجال والنساء على حدٍّ سواء، ممن تراودهم مشاعر الشك في قدراتهم رغم تميزهم الواضح. ويظل القاسم المشترك بينهم جميعًا هو الخوف الدفين من انكشاف “الحقيقة” التي يعتقدونها عن أنفسهم، أنهم ليسوا أكِفَّاء كما يظن الآخرون، وأن نجاحهم ما هو إلا تمثيل متقن لدورٍ لا يستحقونه.

مع مرور الوقت، تطور وصف الحالة. فبدلًا من استخدام مصطلح "ظاهرة"، أصبح مصطلح "متلازمة" هو الأكثر شيوعًا، لما تتسم به من أعراضٍ متتابعة تترتب بعضها على بعض. تبدأ مظاهر متلازمة المحتال عادةً عندما يُطلب منك أداء مهمة في نطاق خبرتك. عادة ما تتحفز المتلازمة في مواقف التكريم والاحتفاء، أو عندما يُطلب منك أداء مهمةٍ جديدة. في تلك اللحظة، يتسلّل إليك شعور غامض بالقلق والتوتر، يجعلك تشك في قدراتك المهنية وقد يدفعك إلى تأجيل العمل حتى اللحظة الأخيرة، أو إلى الإفراط في التحضير إلى حد الإنهاك.

وفي كلتا الحالتين، غالبًا ما تُنهي المهمة في الوقت المحدد، وتشعر بلحظة شديدة القِصَر من الارتياح والإنجاز، قبل أن تهاجمك أفكارٌ سلبية تقوِّض ثقتك بنفسك وتُشكك في استحقاقك لما أنجزته، على شاكلة: "لقد حالفني الحظ، أخشى أنني سوف أفشل في المرة القادمة".

يتكثف هذا الشعور شيئًا فشيئًا، حتى يترسخ داخلك يقينٌ بأنك محتال، فتبدأ في الشك في جميع قدراتك ومهاراتك، وتدخل في حلقة مفرغة من التوتر تحاول فيها إخفاء ما تظنه “حقيقتك”.

لا تُعد متلازمة المحتال تشخيصًا عياديًا، لكنها قد ترتبط مع مشكلات نفسية مثل نزعة الكمالية "Perfectionism"، القلق أو الاكتئاب، وقد تؤدي إلى تفاقم أي منهم أو جميعهم. فهي حالة ذهنية تُغرقنا في أفكارٍ سلبية تُربك الأداء وتُضعف الثقة بالنفس. ويرى المتخصصون أن التعامل معها لا يكون بإنكارها، بل بفهمها وتفكيكها، لأن الوعي بها هو أول خطوة لتحويلها -رغم قسوتها- من عبءٍ نفسي إلى دافعٍ يدعم النمو والتطور المهني.

ومن خلال تطوير وعيك بذاتك، والتعرف الواقعي على قدراتك ومهاراتك، تستطيع أن تبني صورة أكثر صدقًا عن نفسك، وأن تميز بين النقد البَنَّاء وجلد الذات. ومع الوقت، يمكن لتلك الأفكار، إن وُجّهت بإدراك، أن تتحول من عبءٍ نفسي إلى طاقةٍ إيجابية تدفعك نحو النمو الذاتي والتطور المهني.

بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن غالبية الأشخاص حول العالم راودتهم مثل هذه الأفكار مرة واحدة على الأقل خلال مسيرتهم المهنية. يشمل ذلك رؤساء تنفيذيين لكبريات الشركات، وسياسيين بارزين، وشخصيات عامة مرموقة. كما تُظهر بعض الدراسات الأخرى أن متلازمة المحتال تنتشر بدرجة أكبر بين الأقليات.

يربط الباحثون هذا الانتشار بالسرديات والرسائل الضمنية التي يتعرض لها الأفراد في محيطهم باستمرار، والتي قد تزرع في داخلهم شعورًا مزمنًا بعدم الجدارة أو بعدم الانتماء الكامل إلى أماكنهم المهنية والاجتماعية.

بناء على ذلك، يُجمع المتخصصون على أن الخطوة الأولى في مواجهة متلازمة المحتال هي تطوير الوعي بالذات، أي إدراك قدراتك الحقيقية بموضوعية وتقدير الجهد الذي بذلته للوصول إلى ما أنت عليه اليوم.

ورغم أن التخلص من تلك الأفكار نهائيًا -كأن لم تَكُن- قد لا يكون ممكنًا، فإن تذكير نفسك بما حققته من إنجازات، وبالطريق الذي قطعته لتصل إلى تلك الإنجازات، يساعدك على الحد من شعورك بعدم الاستحقاق ويخفف من حدة الشك في قدراتك. ومع مرور الوقت، يصبح هذا الوعي درعًا يحميك من النقد الداخلي المبالغ فيه، ويمنحك نظرة أكثر اتزانًا تجاه نفسك ومسيرتك المهنية.

فيما يلي مجموعة من الإرشادات العملية التي قد تساعدك على التعامل مع متلازمة المحتال بوعي وهدوء:

١- قبل أي شيء، اسمح لنفسك بالشعور بدلًا من مقاومته. فالاعتراف بما يراودك من شكوك هو أول خطوة نحو فهمها والتخفيف من أثرها.

٢- لا تقلل من قيمة نفسك، وتعلم أن تتلقى الثناء بصدق. ليس من الضروري أن تقلل من شأن قيمة نجاحك أو تنفي استحقاقك له بعبارات مثل: "كان مجرد حظًا"، بينما يكفي أن تقول "شكرًا" وتصدق أنك تستحق التقدير.

٣- تجنب مقارنة نفسك بالآخرين، فلكل شخص مساره المختلف وتجربته الخاصة. فربما بدا طريق الآخرين أسهل، بينما واجهت أنت من التحديات ما لم يروه هم، أو العكس.

٤- ضع لنفسك مفهومًا شخصيًا واضحًا للنجاح الذي ترجوه، واعمل على تحقيقه بخطوات واقعية ومستمرة، مع تطوير مهاراتك بما يتوافق مع طموحك لا مع توقعات الآخرين.

٥- احرص على التحدث إلى نفسك بلطف. ذَكِّرها برحلة تطورك، وبالجهود التي بذلتها لتستحق مكانتك الحالية.

٦- تذكر دائمًا أنك لست وحدك من يمر بهذه المشاعر. مشاركة أفكارك مع من تثق بهم قد تساعدك على رؤيتها من منظور مختلف وتفكيكها تدريجيًا.

٧- إن شعرت أن الأمر بدأ يؤثر على حياتك أو يثقل يومك، لا تتردد في طلب المساعدة من مختص نفسي. الحصول على الدعم ليس ضعفًا، بل خطوة واعية نحو التوازن والشفاء.

ختامًا، تذكر:

نحن لسنا محتالين، نحن بشر نسعى، ونحاول أن نكون في أفضل صورنا. وفي طريقنا، نخطئ ونصيب. يكفينا أن نحاول، أن نتعلم، وأن نكون صادقين في سَعينا.

ففي كل مرة تشعر أنك “لا تستحق”، تذكر أن مجرد سعيك لأن تكون أفضل هو دليل كافٍ على أنك تستحق وأكثر.